يوم عمل

هذه من الأيام القلائل التي وصلت دينا إلى عملها مبكرا. دلفت إلى مدخل العمارة و هي تلقي نظرة إلى هاتفها التي أضاءت شاشته عن الساعة الثامنة. أبتسمت ابتسامة خافته تنم عن الشعور بالراحة فالمجئ باكرا يعني المرواح باكرا و لكن سرعان ما أختفت إبتسامتها و هي تتذكر مهام اليوم الكثيرة. شغل تفكيرها مسألة في العمل لم تدر لها حلآ و راحت تتساءل كيف يمكن حلها اليوم.
انقطعت خواطرها لدى وصولها للدور الرابع حيث مقر الشركة.
أدارت المفتاح في القفل فانفتح الباب عن شقة مظلمة. و لكم أحبت دينا أن تكون أول من يصل، فتضيء حجرة الأستقبال و تخطو لحجرتها خطوات و إن كانت خفيفة يسمع صداها في أرجاء الشركة.
وضعت دينا أغراضها سريعا على المكتب الخاص بها و دنت من النافذة تفتحها ليهب رغم حرارة الصيف هواء فيه بعض من نسيم الصباح المتلاشي.
راحت تنظر من النافذة إلى الطريق و أجالت عينيها العسليتين في العمائر المحيطة، و كانت نافذة العمارة المقابلة تواجه نافذتها و تبعد عنها امتارا قليلة فألفت دينا ساكنيها، أم و أب و إبنيهما الذين دائما ما يوجد أحدا منهما بالنافذة، و لا تتذكر دينا يوما لم يطل أحدا منهما بالنافذة حتى تسائلت متى يعملون أو يأكلون اوحتى ينامون هؤلاء القوم.
عادت دينا لمكتبها لتكب على عملها بينما من الوقت للأخر تتبادل تحيات من يصل الى المكتب.

دار مقبض الباب و انفتح مندفعة منه ساندي بإبتسامة كبيرة وهي  تلقي تحيتها اليومية 'صباح الخير' على الجالسين. بادلتها دينا التحية و هي تتذكر يوم انضمت ساندي للشركة منذ ما يقرب من عام و كيف لم يخل لها يوما أن سيتخطى حديثهم كلمة صباح الخير تلك. بيد أن طبيعة عملهم مختلفة و مجالسهم متباعدة و لكن تمر الأيام و تحكم التقلبات و الظروف عليهم بمشروع واحد و مجلس واحد فتكاثرت الأحاديث و تباينت بين حديث في العمل و حديث في غيره  و ها هي دينا تعجب الآن لما يحدثه محضر ساندي من طمأنينة في القلب و حب للمكان. ففي عملهم معا انسجام و سلام و إن لم يخل من القلق و الهم المصحوب بحمل مشروع على عاتقهم.
كانت ساندي شخصية و إن تبد لك صارمة جدة بنظارتها تلك ذي الإطار الأسود و انسدال شعرها على جانبي وجهها إلا أنها كانت أقرب إلى الهزل من الجد فكانت تجد في كل حدث موضع للسخرية و في كل جملة بقائلها أحد، إقتباس من فيلم قديم أو مسرحية فيتخلل الحديث حتما كثير من الضحك فتهون على النفس ساعات العمل الطويلة.